امير المؤمنين عمر بن الخطاب
الدكتورة لميس الرفاعي
هو الصحابي الجليل ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو الخليفة الثاني ، ويكنى بابي حفص- الحفص الشبل ولد الاسد – كناه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وكانت حفصة ام المؤمنين أكبر أولاده
حدث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ” دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً و جاراً من ذهب ، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرتك يا ابا حفص فلم أدخله ” ، فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله ؟
الفاروق :
لقب بالفاروق لأنه اعلن بالاسلام ، ونادى به والناس يخفونه ، ففرق بين بين الحق والباطل .
قال ابن عباس : سألت عمر بن الخطاب ، لأي شيء سميت الفاروق ؟ – فذكر حديث إسلامه الى ان قال – فأخرجنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين ، حمزة في احدهما ، وانا في الآخر ، حتى دخلنا المسجد ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق ، فرق الله به بين الحق والباطل “.
وقيل لعائشة رضي الله عنها : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم. وعن النزال بن سيرة الهلالي قال : وافقنا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً طيب نفس ، فقلنا : يا امير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب ، قال : ذاك امرؤ سماه الله الفاروق ، فرق الله به بين الحق والباطل.
وعن الشعبي أن رجلاً من المنافقين ، ويهودياً اختصما فقال اليهودي : ننطلق الى محمد بن عبد الله ، وقال المنافق : بل ننطلق الى كعب بن الأشرف . فأبى اليهودي وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي .
فلما خرج قال المنافق: ننطلق الى عمر بن الخطاب ، فأقبلا ، فقصا عليه القصة ، فقال : رويداً حتى أخرج اليكما، فدخل البيت ، فاشتمل على السيف ، ثم خرج وضرب عنق المنافق وقال : هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل جبريل فقال : ان عمر فرق بين الحق والباطل . فسمي الفاروق .
مولده :
كان عمر رضي الله عنه يقول : ولدت قبل انفجار الأعظم بأربع سنين، وكان انفجار الأعظم قبل المبعث بست وعشرين سنة ، وكانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة عشرة ، فكان مولده قبل المبعث بثلاثين سنة .
شرفة في الجاهلية :
كان من أشراف قريش ، وكانت إليه السفارة في الجاهلية ،وذلك أن قريشاً كانت اذا وقعت بينهم وبين غيرهم حرب بعثوه سفيراً ، وإن نافرهم منافر ، أو فاخرهم مفاخر ، رضوا به وبعثوه منافراً ومفاخراً .
شدته على المسلمين :
وكان عند المبعث شديداً على المسلمين .
قالت ام عبد الله بنت حنتمة : لما كنا نرتحل مهاجرين الى الحبشة ، أقبل عمر حتى وقف علي ، وكنا نلقى منه البلاء والأذى ، والغلظة علينا ، فقال لي : إنه الانطلاق يا ام عبد الله ؟ قلت : نعم والله لنخرجن في ارض الله ، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجاً، فقال عمر : صحبكم الله ، ورأيت منه رقة لم ارها قط . فلما جاء عامر بن ربيعة – وكان قد ذهب في بعض حاجته – وذكرت له ذلك ، فقال : كأنك طمعت بإسلامه ؟ قلت له : نعم ، فقال : إنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب .
عمر والبطريق
روي ان عمرقال : خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة الى الشام في الجاهلية ، فلما خرجنا من دمشق نسيت قضاء حاجة فرجعت ، فقلت لأصحابي : ألحقكم فوالله إني لفي سوق من أسواقها ، فإذا انا ببطريق قد جاء فأخذ بعنقي ، فذهبت أنازعه ، فأدخلني كنيسة ، فإذا تراب متراكب بعضه فوق بعض ، فدفع الي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال لي : انقل هذا التراب ، فجلست اتفكر في أمري كيف أصنع ، فأتاني في الهاجرة وعليه قصب ، أرى سائر جسده منها فقال : لم أرك أخرجت شيئاً ، ثم ضم أصابعه فضرب بها وسط رأسي ، فقلت : ثكلتك أمك يا عمر ! أو بلغت ما أرى ؟ فقمت بالمجرفة فضربت بها هامته فإذا دماغه قد انتثر ، فأخذته ثم واريته تحت التراب ، ثم خرجت على وجهي ، ما أدري أين أسلك ، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصبحت ، ثم انتهيت الى دير ، فاستظللت بظله ، فخرج الي رجل من اهل الدير فقال : ما انت على الطريق ، وانك لتنتظر بعين خائف ، أدخل فأصب من الطعام واسترح ونم ، فدخلت فجاءني بطعام وشراب ولطف. فصعد في بصره وخفضه ثم قال : يا هذا قد علم اهل الكتاب انه لم يبق على وجه الارض أعلم بالكتاب مني ، وإني أجد صفتك انك الذي تخرجنا من هذا الدير ، وتغلب على هذه البلدة ! فقلت : ايها الرجل قد صنعت معروفاً فلا تكدره، قال : اكتب لي كتاباً في رق ، ولا عليك فيه شيء ، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد ، وإن تكن الاخرى فليس يضرك ، فقلت : هات ، فكتبت له ثم ختمت عليه . فدعا بنفقة فدفعها الي ، وبأثواب وأتان قد أكفت – أي : بحجارة وضع عليها الاكاف – فقال : ألا تسمع ؟ قلت : نعم ، قال : اخرج عليها فإنها لا تمر بأهل دير الا عرفوها وسقوها حتى تصير الي . وكان الامر كما قال .
فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب ، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب ، فلما رآه عمر تعجب منه ، فقال له: أوف لي بشرحي ، فقال عمر : ليس لعمر ، ولا لأبي عمر فيه شيء ولكن للمسلمين . ثم قال له عمر : ان أضفتم المسلمين وهديتموهم الطريق ، ومرضتم المريض فعلنا ذلك ، قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فوفى له بشرطه .
وحديث إسلام عمر الفاروق ، واستجابة الله لنبيه بدعائه : ” اللهم أعز الإسلام ، بأحب العمرين إليك ” وهما : عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل ، وعمر بن الخطاب ، وقد سبقت الدعوة له ، وهجرته وموقفه يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور ومعروف ، وكذا يوم السقيفة .
في ليلة الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة ، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، غدر به غلام مجوسي ، وطعنه بخنجر بين كتفيه وخاصرته ، وهو قائم يصلي بالناس فسقط وتوفي بعد ثلاثة ايام من هذا الحادث الاليم .
وقبل وفاته ترك امر المسلمين شورى بين الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم :
عثمان ،وعلي، والربير، وطلحة ،وعبد الرحمن بن عوف ،وسعد بن ابي وقاص.

Leave feedback about this