التَّملُّق
تجمع معاجم اللغة العربيَّة -حرسها الله-، على أنَّ مفردة (التَّملُّق) تتمحور حول: «تودَّد إليه، وليَّن كلامَه، وتذلَّل، وأبدى له من الوُدِّ ما ليس في قلبه، وتضرَّع له فوق ما ينبغي، داهنَه ملِق لرئيسهِ/ رئيسه طمعًا في ترقية، وصل لكرسيِّه بالرِّياء والنِّفاق والمَلَق».
- ولعل الحصيف، وغير الحصيف يتأمَّل ما تقول به المعاجم العربيَّة؛ تأمُّلًا يُغني عن أيِّ قول؛ فقد استوفت تلك المعاجم المعاني أيَّما استيفاء، وأبانت في دلالتها أيَّما إبانة.
- في أغلب الاجتماعات، وما أكثرها، تكاد تتبدى الصورة بكلِّ جلاء ووضوح؛ كآيةٍ من آيات (التَّملُّق) حتى غدت في بعض المجتمعين نمطًا واحدًا مستوي الأركان، وسلوكًا قائمًا متجانس الأوتاد؛ ما يكشف عن كلِّ ما أبانت عنه جملة المعاني والدلالات التي تقول بها معاجمنا العربيَّة.
- فإذا كان هذا السلوك يُرى عيانًا بيانًا؛ فلا أظنه سيكون غائبًا في حالات (الخلوَة) مع بعض مَن يحبُّونَ أنْ يُحمَدُوا بَمَا لمْ يَفْعلُوا..!!
- وللأسف؛ فإنَّ منصَّات التواصل الاجتماعي قد استحالت مرتعًا (يطفح) بجميع ما قالت به المعاجم في هذا الباب؛ فمِن التودُّد حدَّ الذُّلِّ والمهانةِ، إلى إظهار المحبَّة حدَّ الخنوع والضعة، إلى التضرُّع حدَّ الانكسار والمسكنة، إلى المداهنة حدَّ الرياء والنفاق!!
- برأس الأصبع تستطيع التعرُّف على هذه الأنماط واحدًا واحدًا دون جهد أو عناء؛ لأنَّ أحابيل أصحاب هذا السلوك المشين لا تخطيهم الأعين، ولا تغيب عنهم سورة النفاق، وآيات التملُّق في كلِّ ما يندُّ عنهم من قول، أو عبارة، أو كلمة.
- في منصَّة (إكس) -مثلًا- تبدو هذه الظاهرة أكثر شيوعًا وانتشارًا، وأكثر تندُّرًا وسُخرةً؛ مع ما فيها من عبارات مكرورة، وجمل مجترأة، ما زاد مع القبح، قبحًا آخرَ..!!
- أمَّا المتلوِّنُون، ومَا أدراك ما المتلوِّنُون..!!
فهم يتلوَّنُون كما تتلوَّن الفراشة بالزَّهر، والدبُّ بألوان الثلج، والظبي بألوان الرِّمال، والثعلب بالتماوت، والحرباء بألوان ما تحيط بها.
- ولو كان الأمر بيدي، لجعلتُ كلَّ مَن تبينت عليه أمارات التملُّق؛ رهنًا للمساءلة القانونيَّة، فإنَّ هذا الدَّاء والدَّواء في أولئك (السمَّاعُون) والآذان الصاغية.
- إنَّ الثناء والشكر خصلتان محبَّبتان إلى النفوس؛ ولكن حقهما أنْ يُوضعا في موضوعهما دون مبالغة ممجوجة، ولا سخافة مذمومة، كما أنَّ حقهما سيبقى رهن ما يقدِّمه الممدوح من عطاءات ونجاحات، وإنْ كان الممدوح -غالبًا- في موقع المسؤوليَّة وموضع التكليف؛ فلا هو بحاجة إلى مدائح يعلوها النفاق، ولا عبارات مملوءة بالتملُّق؛ فإنَّ الأعمال الناجحة مرهونة بالنَّجاعة، ومعقودة بما تؤول إليه من مصلحة عامة.
المصدر : كتاب التَّملُق

Leave feedback about this