الاخلاق ثقافة وعلم
ثقافة وفن

الاخلاق ثقافة وعلم

الأخلاق ثقافة وعلم

مقدمة:
المعرفة الأخلاقية

إن المعرفة الأخلاقية، والبحث الأخلاقي، بل دراسة علم الأخلاق،
ضرورة ملحّة توجبها مقتضيات الوقائع الإنسانية،
فضلاً عن نفعها الموصول. ذلك أن لا ندحة للإنسان “ العارف” من تعمق تجربة سلوكه الشخصي والاجتماعي،
و” فهم” سلوكه وسلوك الآخرين أفراداً وجماعات، ثم “ تفسير” هذا السلوك،
في الأنفس والآفاق، حتى تتبين دقائق الخير والشر، ويصار إلى تمييز الفاضل والأفضل، أو السيئ والأسوأ،
وتنجلي أحكام الوجوب أو أحكام القيمة، مع العلم أن القيمة على الدوام مطلب ذهني يدعو إلى التحقق والإنجاز.

الخير هو “ ما يجب صنعه”.
ومعرفة الخير تبدأ على صعيد الفكر بتمييز فارق أساسي بين الأخلاق المعاشة، وهي جملة الأعمال التي ينهض بها الفاعل تقليداً أو اتباعاً،
إن لم يكن رضوخاً وخضوعاً لمشيئة خارجة عن إرادته واختياره، وبين الأخلاق “ الانتقادية” أي الواعية، وهي أخلاق المذاهب ذات المنازع الثلاثة الكبرى وهي “ الديني والعلمي والفلسفي”. وكل منزع يمثل وجهة نظر تحظى بتأييد رواد وأنصار.

– علم الاخلاق

الخُلقْ هو واقع نفسي متصل بالفعل، وعنه تصدر أفعال حسنة وأخرى سيئة. وهاتان السمتان،
سمة الحسن وسمة السوء، تتميزان بجدل موقفين قيميين يعربان عن مفهومين متلازمين ومتقابلين، وهما مفهوما الخير والشر.

-الوجود الأخلاقي

البحث في علم الأخلاق بحث إنساني حصراً. وهو يدخل في الاهتمامات الفلسفية الرئيسة،
ويُعرف باسم الفلسفة العملية، أو الحكمة. فإذا خُصص لفظ الفلسفة النظرية، أو الفلسفة، بمعنى معرفة الوجود بما هو موجود،
كانت الحكمة جزءها العملي أو السلوكي. وهي حصيلة إِعمال الإنسان عقله في ما ينهض به من فعال تلقى مدحاً، فتنتسب إلى الخير، أو ذماً فتُنسب إلى الشر. إن المدح والقدح، أو الاستحسان والاستهجان،
ونبذ ما يجب تحاشيه. وهما كاشفا الخير والشر من الناحية الاجتماعية التي يتردد صداها داخل الذات الفردية في ما يسمى الضمير أو الوجدان أو الشعور الأخلاقي، وهو يواكب ضروباً أخرى من الشعور، ويتفاعل معها،
مثل الشعور الديني،
والشعور الجمالي،
والشعور المعرفي.

والإنسان من بين الموجودات كلها ينفرد بأنه الذي يُلتمس له الخلق المحمود، والأفعال المرضية.
فإذا اتجه النظر إلى أفعاله التي يشارك فيها سائر الموجودات، كان ذلك من حق علم الطبيعة.

ولكن أفعاله وقواه وقدراته التي يختص بها من حيث هو إنسان، وبها تتم إنسانيته وفضائله،
هي الأمور الإرادية التي تتعلق بها قوة التفكير والتمييز، وإن النظر فيها يسمى “ الفلسفة العملية”.

إن الفلسفة هي فلسفة الأمور الإرادية التي تنتسب إلى الإنسان بوصفه فاعلاً متميزاً ومسؤولاً. وهي تمتد من التصور والرغبة إلى النية فالقصد،
وإلى التحقق والإنجاز، والأخلاق إضافة إلى الوجود الإنساني أشبه بطبيعة مكتسبة، طبيعة ثانية لا طبيعية، لأنها ترفض،

في جلّ الأحوال، معطيات الطبيعة العفوية، أي الغريزية، بما في ذلك أخلاط المزاج أو الطبع أو السجية. فهي تنطلق من هذه المعطيات،
وتسعى إلى تكييفها مع المثل الأعلى الأخلاقي، أي الخير، وذلك بتحويرها أو كبتها، أو منعها،
أو تصعيدها تسامياً بدوافعها وحوافزها، فتستعيض عن الواقع الراهن بواقع مراد مرموق يتوخى تحقيق ما يطمح البشر إلى تحقيقه لنيل سعادتهم في الحياة.

ويؤكد مسكويه أن فعل الإنسان الخاص هو ما يصدر عن قوته المميزة.
“ فكل من كان تمييزه أصدق، واختياره أفضل،

كان أكمل في إنسانيته”. والحق أن الأخلاق سباق في هذا المضمار،
مضمار الفكر والحرية والإرادة.

المصدر : كتاب علم الأخلاق لـ باروخ سبينوزا

Leave feedback about this

  • Quality
  • Price
  • Service

PROS

+
Add Field

CONS

+
Add Field
Choose Image
Choose Video