الجزء الثاني
خدعة هائلة في تاريخ البشرية: كيف خدعت مذكرات هتلر المزيفة الصحافة البريطانية؟
الجزء -2-
خدعة هائلة في تاريخ البشرية: كيف خدعت مذكرات هتلر المزيفة الصحافة البريطانية؟
لم تستطع مجلة “شتيرن” مقاومة الوعد بالحصول على مادة مثيرة عالمية حصرية، توفر رؤية لم تكن معروفة من قبل لعقل الديكتاتور النازي، لكن مجلة شتيرن كانت مصرّة على إبقاء قبضتها على السبق الصحفي، الذي توصلت إليه. لذلك عندما استأجروا خبراء في الكتابة اليدوية للتحقق من صحة المذكرات وتزويدهم بوثائق هتلر “الأصلية” للمقارنة، لم يعطوهم سوى بضع صفحات مختارة من الدفاتر للاطلاع عليها.
كوريا الشمالية تدين تقرير مذكرات هتلر
دفعت مجلة “شتيرن” في نهاية المطاف حوالي 9.3 مليون مارك ألماني (2.3 مليون جنيه إسترليني) مقابل المذكرات، وبعد دفع هذا المبلغ الباهظ اختاروا تخزينها في بنك سويسري لحفظها في مكان آمن.
كان أول المؤرخين الذين درسوا المذكرات هو البروفيسور هيو تريفور روبر، المعروف أيضاً باسم اللورد داكر من غلانتون.
في عام 1947، كان البروفيسور روبر قد ألّف كتاباً بعنوان “الأيام الأخيرة لهتلر”، جلب له مكانة أكاديمية مرموقة، وكان يُعتبر خبيراً بارزاً في الديكتاتور النازي. وكان أيضاً مديراً مستقلاً لصحيفة “ذا تايمز”، التي استحوذ عليها قطب الإعلام روبرت مردوخ قبل ذلك بعامين مع شقيقتها صحيفة صنداي تايمز.
كان اللورد داكر مشككاً في البداية بشأن المذكرات، ولكنه سافر إلى سويسرا للاطلاع عليها. وبدأ يقتنع عندما استمع إلى تفاصيل عن أصل المذكرات، وقيل له بشكل خاطئ، أن الاختبارات الكيميائية أثبتت أن المذكرات تعود إلى ما قبل الحرب، ولكن ما رجّح كفة المؤرخ حقاً، هو رؤية الحجم الهائل من المواد، التي تنطوي عليها المذكرات.
قال تشارلز دوغلاس-هوم، محرر صحيفة “ذا تايمز”، في مقابلة مع “بي بي سي” بتاريخ 22 أبريل/نيسان 1983: “أكثر ما أثار دهشة هيو تريفور-روبر، وأذهلني أنا أيضاً – رغم أنني لست خبيراً – عندما رأيت المواد الأصلية، هو حجمها الهائل”.
وتابع قائلاً: “لم يكن الأمر مقتصراً على نحو 60 مجلداً من دفاتر الملاحظات المكتوبة بخط يد هتلر، بل شمل الأرشيف أيضاً حوالي 300 من رسوماته وصوره، ووثائق شخصية مثل بطاقة عضويته الحزبية. أذكر من بينها الرسومات التي قدّمها عندما كان شاباً طموحاً يسعى للالتحاق بمدرسة الفنون، ولوحة فنية، وأخرى زيتية، وغيرها”.
ثم أضاف بنبرة تشير إلى حجم المفاجأة: “من الصعب تخيّل أن مزوِّراً يمكن أن يتقن التزوير على هذا النطاق الواسع من المواد المتنوعة”.
أصبح اللورد داكر مقتنعاً بأن المذكرات أصلية، حتى أنه كتب مقالاً لصحيفة “ذا تايمز” يشهد على صحتها ويعلن أن الأحداث التاريخية قد تحتاج إلى إعادة تقييم في ضوء هذه المذكرات.
حرب حول حقوق النشر
مع انتشار خبر يوميات هتلر، نشبت حرب مزايدة على حقوق نشرها، حيث سافر مردوخ مالك صحيفة “صنداي تايمز” إلى مدينة زيورخ بسويسرا للتفاوض شخصياً على الصفقة.
ومع توقيع صفقات النشر المتسلسل خططت مجلة “شتيرن” على عجل لعقد مؤتمر صحفي للإعلان عن نشر مذكرات هتلر، للعالم. ولكن حتى قبل الكشف الكبير عن المذكرات أثيرت الشكوك حول صحتها، خاصةً التي أثارها العاملون في صحيفة “صنداي تايمز” أنفسهم، حيث تعرضوا للانتقادات من قبل.
ففي عام 1968، كانت الصحيفة قد قدّمت دفعة أولى من الأموال المستحقة، مقابل المذكرات، التي يُفترض أن الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني قد كتبها، والتي أقرها ابنه أيضاً. وقال الصحفي فيليب نايتلي، الذي عمل في فريق التحقيقات في صحيفة “صنداي تايمز”، لبودكاست ويتنيس هيستوري في بي بي سي عام 2011: “لكن اتضح أنها مزيفة من تأليف سيدتين عجوزتين تعيشان في مقاطعة فرشيلي الإيطالية، خارج مدينة ميلانو الإيطالية”.
روبرت مردوخ: إمبراطور الإعلام الذي “لم يختبئ وراء محرر” ينهي مسيرته المهنية
ومع ذلك، كان مردوخ متأكداً من المذكرات، وعلى الرغم من تحفظات رئيس التحرير فرانك جايلز، سارع بنشرها متسلسلة في صحيفة “صنداي تايمز” تحت عنوان “حصرياً عالمياً” في اليوم السابق لإعلان مجلة “شتيرن” الصحفي.
أجرى جايلز اتصالاً هاتفياً باللورد داكر طلباً للتطمين بشأن القصة، لكن المؤرخ فاجأه باعتراف صريح: لم يكن الأمر مجرد شكوك، بل قال إنه غيّر موقفه تماماً، واصفاً ما حدث بأنه “تحوّل بمقدار 180 درجة” في قناعته بشأن صحة المذكرات.
وقال نايتلي: “لقد انبطح جميع من كان في الغرفة – جميع المسؤولين التنفيذيين في الصحيفة على كراسيهم، ووضعوا رؤوسهم في أيديهم لأننا فقدنا الموثق الرئيسي”. وأضاف: “كان من الواضح أن القصة كانت خاطئة تماماً”.
كان لا يزال بإمكان صحيفة “صنداي تايمز” إيقاف المطابع، وتغيير الصفحة الأولى. يتذكر نايتلي أنه عندما اتصل جايلز بالمالك قال مردوخ: “فقط لأن داكر كان متردداً طوال هذا الوقت، تباً له، سننشر القصة”.
التضحية بالمناهج التاريخية مقابل السبق الصحفي
بالنسبة لمجلة “شتيرن”، ازدادت الأمور سوءاً في المؤتمر الصحفي الذي عقدته المجلة في اليوم التالي. بعد أن أعلن رئيس التحرير بيتر كوخ أنه “مقتنع بنسبة 100% أن هتلر كتب كل كلمة في تلك الكتب”، اعترف اللورد داكر المؤرخ نفسه، الذي أكد أن المذكرات أصلية تحت وطأة الاستجواب أنه كان لديه أفكار أخرى.
قال اللورد داكر، أمام النظرات المذعورة للمسؤولين التنفيذيين في مجلة “شتيرن”، إنه لم يكن قادراً على إثبات وجود صلة بين تحطم الطائرة والمذكرات المزعومة، وإنه كان قد تسرع في إصدار حكم. وأضاف: “يجب أن أقول كمؤرخ يؤسفني أنه ربما كان من الضروري التضحية إلى حد ما بالمناهج الطبيعية، للتحقق التاريخي من أجل متطلبات السبق الصحفي”.
“كفاحي”: هل هو الكتاب الأخطر في العالم؟
وفي اليوم التالي للمؤتمر الصحفي الذي شهد حالة من الارتباك، قال تشارلز هاميلتون وهو تاجر توقيعات أمريكي لبي بي سي إنه بمجرد أن رأى صفحات المذكرات “استطاع أن يشم رائحة التزوير المثيرة”. وأضاف هاميلتون أنه كان يعلم أن التوقيع ليس أصلياً، لأنه كان يُعرض عليه باستمرار وثائق هتلر ا

Leave feedback about this